سورة الحديد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا} اختلفوا فيمن نزلت على قولين.
أحدهما: أنها نزلت في المؤمنين. قال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا، وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضاً.
والثاني: أنها نزلت في المنافقين، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال مقاتل: سأل المنافقون سلمان الفارسي فقالوا: حدِّثنا عن التوراة، فإن فيها العجائب، فنزلت هذه الآية. وقال الزجاج: نزلت هذه الآية في طائفة من المؤمنين حَثُّوا على الرِّقَّة والخشوع. فأما من كان وصفه الله عز وجل بالخشوع، والرِّقَّة، فطبقة من المؤمنين فوق هؤلاء. فعلى الأول: يكون الإيمان حقيقة. وعلى الثاني: يكون المعنى: {ألم يأن للذين آمنوا} بألسنتهم. قال ابن قتيبة: المعنى: ألم يحن، تقول: أنى الشيء: إذا حان.
قوله تعالى: {أن تخشع قلوبهم} أي: تَرِقَّ وتلين لذكر الله. المعنى: أنه يجب أن يورثهم الذِّكْر خشوعاً {وما نزل من الحق} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي {وما نزَّل} بفتح النون، والزاي، مع تشديد الزاي. وقرأ نافع، وحفص، والمفضل عن عاصم {نزل} بفتح النون، وتخفيف الزاي. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، ويونس بن حبيب عن أبي عمرو، وأبان عن عاصم {نُزِّل} برفع النون، وكسر الزاي، مع تشديدها. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء {وما أَنزل} بهمزة مفتوحة، وفتح الزاي. وقرأ أبو مجلز، وعمرو بن دينار مثله، إلا أنه بضم الهمزة، وكسر الزاي. و{الحق} القرآن {ولا يكونوا} قرأ رويس عن يعقوب {لا تكونوا} بالتاء {كالذين أوتوا الكتاب} يعني: اليهود، والنصارى {فطال عليهم الأمد} وهو: الزمان. وقال ابن قتيبة: الأمد: الغاية. والمعنى: أنه بَعُد عهدهم بالأنبياء والصالحين {فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} وهم الذين لم يؤمنوا بعيسى ومحمد عليهما السلام {إعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها} أي: يخرج منها النبات بعد يبسها، فكذلك يقدر على إحياء الأموات {قد بينا لكم الآيات} الدالة على وحدانيته وقدرته {لعلكم تعقلون} أي: لكي تتأملوا.


قوله تعالى: {إن المصَّدِّقين والمصَّدِّقات} قرأ ابن كثير، وعاصم إلا حفصاً بتخفيف الصاد فيهما على معنى التصديق وقرأ الباقون، بالتشديد على معنى الصدقة.
قوله تعالى: {أولئك هم الصِّدِّيقون والشهداء عند ربهم} اختلفوا في نظم الآية على قولين.
أحدهما: أن تمام الكلام عند قوله تعالى: {أولئك هم الصِّدِّيقون} ثم ابتدأ فقال تعالى: {والشهداء عند ربهم} هذا قول ابن عباس، ومسروق، والفراء في آخرين.
والثاني: أنها على نظمها. والواو في {والشهداء} واو النسق. ثم في معناها قولان:
أحدهما: أن كل مؤمن صِدِّيق شهيد، قاله ابن مسعود، ومجاهد.
والثاني: أنها نزلت في قوم مخصوصين، وهم ثمانية نفر سبقوا إِلى الإسلام: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة بن عبد المطلب، وطلحة، والزبير، وسعد، وزيد، قاله الضحاك. وفي الشهداء قولان:
أحدهما: أنه جمع شاهد. ثم فيهم قولان. أحدهما: أنهم الأنبياء خاصة، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم الشاهدون عند ربهم على أنفسهم بالإيمان لله، قاله مجاهد.
والقول الثاني: أنه جمع شهيد، قاله الضحاك، ومقاتل.


قوله تعالى: {إِعلموا أنما الحياة الدنيا} يعني: الحياة في هذه الدار {لعب ولهو} أي: غرور ينقضي عن قليل. وذهب بعض المفسرين إلى أن المشار بهذا إلى حال الكافر في دنياه، لأن حياته تنقضي على لهو ولعب وتزين الدنيا، ويفاخر قرناءه وجيرانه، ويكاثرهم بالأموال والأولاد، فيجمع من غير حلّه، ويتطاول على أولياء الله بماله، وخدمه، وولده، فيفنى عمره في هذه الأشياء، ولا يلتفت إلى العمل للآخرة. ثم بين لهذه الحياة شبهاً، فقال: {كمثل غيث} يعني: مطراً {أعجب الكفار} وهم الزُّرَّاع، وسموا كفاراً، لأن الزارع إذا ألقى البذر في الأرض كفره، أي: غطاه {نباتُه} أي: ما نبت من ذلك الغيث {ثم يهيج} أي: ييبس {فتراه مصفراً} بعد خضرته وَرِيَّه {ثم يكون حطاماً} أي: ينحطم، وينكسر بعد يبسه. وشرح هذا المثل قد تقدم في يونس عند قوله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا} [آية: 24] وفي الكهف عند قوله تعالى: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا} [آية: 45].
قوله تعالى: {وفي الآخرة عذاب شديد} أي: لأعداء الله {ومغفرة من الله ورضوان} لأوليائه وأهل طاعته. وما بعد هذا مذكور في [آل عمران: 185] إلى قوله: {ذلك فضل الله} فبين أنه لا يدخل الجنة أحد إلا بفضل الله.

1 | 2 | 3 | 4